تفتيت الوطن العربي هدف صهيوني ـ أمريكي بامتياز
سليم يونس
لعل السؤال يراود الكثيرين في هذه اللحظات ،هل ما يجري في الوطن العربي الآن محض صدفة بحتة ؟، أم أنه نتاج فعل منظم من جهات لا تريد خيرا للوطن العربي ؟ وهو من ثم منفصل عن شرط توفر الظرف الموضوعي حيث يجري التدخل ؟
ليس صدفة ..ولكن نستطيع القول أن ما يجري ليس صدفة وهو من ثم نتيجة عبث خارجي مدروس ، إلا أن ذلك يمثل أحد وجهي الصورة فقط ، ذلك أن المقاربة الموضوعية تقول إنه من غير العلمي أن نتسرع فنرجع كل أسباب هذه الفوضى إلى العامل الخارجي فقط ، دون أن نلتفت إلى أنفسنا ، لندرك أن فقدان العامل الداخلي للحصانة الوطنية بمعناها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو الذي شكل القنطرة التي مر عليها فعل العامل الخارجي ومكناه من أن يفعل فعله. وللأسف فإن تدخل العامل الخارجي هو نتاج عمل مخطط له ومنذ زمن لإنجاز أهداف محددة ، تستهدف النيل من الأمة العربية ، وكي نفهم ما يجري هذه الأيام ، لا بأس من العودة إلى الوراء وأن نستحضر مفردة " الفوضى الخلاقة " التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندا ليزا رايس خلال فترة رئاسة بوش الابن الذي أعلن الحرب المقدسة على العراق، وأيضا محاضرة وزير الأمن الداخلي الصهيوني السابق (آفي ديختر) في شهر التمور / أكتوبر ، 2008 ، التي كانت بعنوان "أبعاد الحركة الإستراتيجية الإسرائيلية القادمة في البيئة الإقليمية" التي ركَّزت على ثلاثة خيارات أساسية للحركة الإستراتيجية الصهيونية في البيئة الإقليمية تتمثل في - :
● استخدام القوة العسكرية لحسم التحديات الصعبة والخطيرة التي يتعذر حسمها بالوسائل الأخرى الدبلوماسية .خلق الفوضى وإثارة الصراعات واستخدام قوى داخلية وتوظيفها لتؤدي المهمة بدلاً من التدخل المباشر.
● التوظيف لجماعات إثنية وطائفية أو قوى معارضة لديها الاستعداد مقابل دعم تطلعاتها للوصول إلى السلطة.
● العودة إلى إقامة أو تجديد تحالفات إسرائيل مع دول الجوار على غرار حلف المحيط الذي شكله (ديفيد بن جوريون) في منتصف الخمسينات مع تركيا وإيران وإثيوبيا في نطاق استراتيجية شد الأطراف أي شل قدرات دول مثل العراق وسوريا والسودان حتى لا تستخدم في المواجهة مع إسرائيل "
ثم تحذير وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية هيلاري كلينتون يوم الخميس (13 أي النار/يناير) خلال افتتاح منتدى المستقبل في قطر الذي يضم ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من "إن دول الشرق الأوسط تحتاج للإصلاح المؤسسات الفاسدة وإنعاش النظام السياسي الراكد وإلا فإنها معرضة لخطر الهزيمة في مواجهة التشدد الإسلامي".
وقالت كلينتون في كلمة شديدة الصراحة بشكل غير معتاد أمام حضور يشمل ممثلين لدول تعتبر من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة منها السعودية ومصر "كل بلد بالطبع أمامه التحديات الخاصة به وإنجازاته. لكن في أماكن كثيرة للغاية وبطرق كثيرة للغاية تغرق مؤسسات المنطقة في الرمال." وأضافت أن رحلتها كشفت الكثير من مؤشرات الأمل في وجود "شرق أوسط جديد وخلاق".
وإذا ما ربطنا كل ذلك بحديث رئيس جهاز الأمن السابق في الكيان الصهيوني عن دفع العشرات ممن أعضائه في دول المغرب العربي.
وإذا ما ربطنا هذا "الشرق الأوسط الجديد الخلاق" باعتراف الجنرال "عاموس بادلين" الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية "أمان": بأن جهازه نشر شبكات وخلايا تجسسية كثيرة في العالم العربي ولإفريقيا ومن بينها ليبيا.
عندما قال في تصريحات له خلال تسليم مهامه الى خلفه " افيف كوخفي " في حضور عدد من المراسلين الحربيين الإسرائيليين خلال الأسبوع الثالث من شهر التمور/اكتوبر 2010 :" لقد نجحنا خلال أربع سنوات في الوصول إلى شمال إفريقيا حيث تقدمنا الى الامام وذلك من خلال نشر شبكات الجواسيس في ليبيا وتونس والمغرب ، وتركز نشاط هذه الشبكات على مكونات ومقومات هذه البلدان. وأضاف "عاموس" لقد أصبحت هذه الشبكات تضع كل ما نريد تحت أيدينا وهي قادرة على التأثير السلبي في مجمل أوضاع ليبيا وتونس والمغرب .. مشيرا إلى أن ذلك يعد إنجازا كبيرا بعد إنجازات العراق واليمن والسودان بالإضافة إلى الإنجازات المنتظرة في القريب في لبنان".
فإننا نكون أمام أمر عمليات أمريكي ـ صهيوني ، مع أدوات داخلية للبدء في تلك الفوضى عبر استغلال لحظة الاحتقان الداخلي في بعض الدول العربية نتيجة انسداد الأفق أمام الجماهير الشعبية وخاصة قطاع الشباب وفي تفشي الفساد والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين مجموع المواطنين .
استحضار التاريخ
ومن ثم إذا ما أعدنا قراءة ما يجري عبر تفكيك أمر العمليات بالهجوم على الوطن العربي ، فإنه يصبح من الضروري استحضار الوثيقة الصهيونية التي سبق أن نشرتها مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية عام 1982 تحت عنوان " استراتيجية اسرائيلية للثمانينات " لنجد أن كل ما جري ويجري في الوطن العربي ليس صدفة بصرف النظر عن نوايا الأطراف الداخلية .
لأن ما يجري على الأقل الآن قد تم بحذافيره وفق ما خططت له الوثيقة ، عبر أدوات صهيونية ودور أمريكي، غير أن ذلك يجب أن لا ينسينا أن ذلك هو فعل ممتد في التاريخ ، وجري وفق رؤية استعمارية استهدفت ولا تزال تفتيت الوطن العربي ، وتلك الرؤية يمكن القول أنها بدأت منذ عشرات العقود واستمرت قائمة حتى الآن ،مثال ذلك معاهدة لندن 1840 التي استهدفت سلخ مصر عن الأمة العربية فسمحت لمحمد على وأسرته بحكم مصر فقط ، وحرمت عليه أي نشاط خارجها .
ثم اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي قسمت الوطن العربي ، وهو التقسيم الذى لا نزال نعيش تداعياته حتى الآن ،والذى جعلنا مجموعة من العاجزين ، المحبوسين داخل حدودا مصطنعة.
تلى ذلك وعد بلفور 1917 الذي كان المقدمة التي أدت إلى اغتصاب فلسطين فيما بعد .
وأتى صك الانتداب البريطاني على فلسطين، في 29 الفاتح/سبتمبر 1922، لمثل ترجمة لذلك الوعد ، عندما اعترف في مادته الرابعة بالوكالة اليهودية من أجل إنشاء وطن قومي لليهود . فأعطوا بذلك الضوء الأخضر للهجرة اليهودية الى فلسطين. وعندما قوى شأن قطعان المستجلبين من الصهاينة في فلسطين، أصدرت الامم المتحدة ، قرارا بتقسيم فلسطين في 29 الحرث/نوفمبر 1947 ، وهو القرار الذى أعطى مشروعية للاغتصاب الصهيوني وأنشئ بموجبه الكيان الصهيوني.
خطة التفتيت
تبدأ الوثيقة تبدأ بنظرة عامة على العالم العربي والإسلامي ، وهي تستخدم مفهوم "العالم" دون مفهوم " الوطن" لتكريس معنى الاختلاف وغياب النسيج المجتمعي الواحد في محاولة متعمدة لنفي أن هذا النسيج صهرته الثقافة العربية الإسلامية في وطن واحد ، وأمة واحدة وبالطبع بعيدا عن مفهوم العرق.
وهي لذلك تعمدت لوي عنق الواقع عندما قالت لقد " قسم هذا العالم إلى 19 دولة كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة ، والتي تعادى كل منهما الأخرى وعليه فإن كل دولة عربية إسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقي والاجتماعي في الداخل إلى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول ".
ويبدو واضحا أن ذلك ليس تشخيصا وحسب ، وإنما هي خطة عمل صهيونية ذات بعدين أولها صهيوني ـ إمبريالي ، وثانيها سعي لاستهداف بعض الحلقات الهشة في مكونات الوطن العربي . خاصة وأن الوثيقة تستهين بمناعة الأمة العربية ، ولذلك فهي تعتبرها " بناء مصطنع كبرج الورق ، لا يمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجهه".
والوثيقة وهي تخطط للمشروع الصهيوني التفتيتي تحاول الاتكاء
على قوة العامل الاقتصادي كأحد مفاتيح التغيير المخطط له ، عندما تقول في هذا " العالم ( الوطن العربي )الضخم والمشتت ، توجد جماعات قليلة من واسعى الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء. إن معظم العرب متوسط دخلهم السنوي حوالى 300 دولار في العام" .
وكما تقول الوثيقة فإن هذه الحالة في الوقت الذي " تشكل بالنسبة لإسرائيل تحديات ومشكلات وأخطار ، ولكنها تشكل أيضا فرصا عظيمة" ، وتعني الفرصة هنا، أن واقع التشتت وغياب الوحدة والتفاوت في الثروة يشكل حالة مثالية للتآمر والعبث الصهيوني في الدول العربية عبر ادوات داخلية.
وتتناول الوثيقة الدول العربية من خلال إسقاط مفاهيمها ورؤيتها في إطار مخططها وبشكل تعسفي على هذه الدولة أو تلك باعتباره جوهر الحقيقة ، ففي رؤيتها لمصر تقول الوثيقة "في مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة من المسيحيين الذين يشكلون الأغلبية في مصر العليا ، حوالى 8 مليون نسمة"، وتستشهد هنا بأن السادات كام " قد أعرب في خطابه في شهر الماء ( مايو ) من عام 1980 عن خشيته من أن تطالب هذه الأقلية بقيام دولتها الخاصة أي دولة لبنانية مسيحية جديدة في مصر.